في السنوات القليلة الماضية، اعتقد الخبراء أن تقنية التعرف على الوجوه ستكون متاحة فقط للوكالات الأمنية وشركات التكنولوجيا العريقة، وأن ما نراه في الأفلام قد يكون رائجاً أكثر من الحياة الواقعية. ولكن، الأمور قد تغيرت بسرعة فاقت التوقعات.
يتم اليوم استخدام برمجيات التعرف على الوجوه في الفنادق والمطاعم والأماكن العامة في العديد من البلدان حول العالم. وتدعي معظم الشركات أن هذه الأدوات التكنولوجية تساعدها على ضبط الأمن وسلامة الناس. قد يكون هذا هو الحال، ولكن فكرة تخزين صورة الوجه على خادم غريب موجود على الجانب الآخر من الكرة الأرضية أمر مخيف فعلاً.
بدأت أقسام الشرطة في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية بشكل علني اختبار تقنية التعرف على الوجوه. وقبل تفشي فيروس كورونا المستجد، كانت تهدف الشرطة إلى القبض على المجرمين الذين قد يحضرون الحفلات الموسيقية أو الأحداث الجماهيرية الكبيرة. بحيث يتلقى ضباط الشرطة تنبيهاً الكترونياً بوجود شخص مطلوب في الحشد. وسرعان ما توقفت الخطة مع بدء فيروس كورونا وإلغاء كل التجمعات. ولكن الأمر لا يقف هنا.
فشركة ClearView الأمنية على سبيل المثال، والتي تستخدمها العديد من إدارات الشرطة في جميع أنحاء البلاد، أكدت أن لديها أكبر قاعدة بيانات mugshot يمكن البحث فيها وتضم أكثر من 3 مليارات صورة وجه تم جمعها من مصادر الويب العامة. كما أعلنت الشركة أنها تعمل بمثابة محركات بحث للتعرف على الوجوه.
يثير استخدام الحكومات حول العالم لهذا النوع من الخدمات الكثير من أسئلة الخصوصية، ولكن يبدو أيضاً أنه يخدم غرضاً ما قد لا نعلم به. فالأشخاص العاديون يريدون رؤية الأشخاص السيئين خلف القضبان، ويجب أن تحظى الحكومات دائماً بأفضل الأدوات التكنولوجية التي تساعدها على فرض القانون.
ومع ذلك، على مدى السنوات الماضية، أدى الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا إلى انتشار تقنية التعرف على الوجوه بشكل جماهيري وتجاري. تم تحسين هذه الميزة بشكل كبير وأصبحت فجأة في متناول الجميع، مما سمح لكل المطورين والشركات الذين يملكون ميزانية متواضعة بالعمل على استكشاف هذه التقنية وتحسينها وتطويرها. نتيجة لذلك، بدأت العديد من الصناعات في اعتماد تقنية التعرف على الوجوه، ومن الأمثلة البارزة على ذلك رواد سوق الهواتف الذكية.
تم إدخال هذه التكنولوجيا ببطء في العديد من العلامات التجارية للهواتف الذكية مثل Samsung وMotorola وغيره. وبات التعرف على الوجه هو القاعدة في طراز iPhone X الذي تم إطلاقه عام 2017. وسرعان ما أصبح التعرف على الوجه أحد أفضل خيارات الأمان التي تحافظ على أجهزة الهواتف الذكية آمنة.
إذا تم استخدام هذه التكنولوجيا بشكل صحيح، فهي موجودة للمساعدة. بحيث تتيح لكم برامج مكافحة الفيروسات رفيعة المستوى رؤية الشخص الذي يحاول إلغاء قفل هاتفكم في حال سرقته. ومن خلال التقاط الصورة وتسليمها إلى بريدكم الإلكتروني، يمكنكم الذهاب بسرعة إلى الشرطة والعمل معهم للعثور على هوية الجاني. ولكن في المقابل، يمكن استخدام هذه القدرات أيضاً بطرق خبيثة من قبل المهاجمين لإخفاء الهوية.
يمتلك مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) نحو 600 مليون صورة مجهولة في قاعدة بياناته. ولقد تم إنشاء الوكالات الحكومية أساساً لخدمة وحماية المواطنين، ولكن يمكن أن تسوء الأمور جداً إذا انتهى الأمر بقاعدة البيانات هذه في الأيدي الخطأ أو عند حكومات أخرى.
الأمر نفسه ينطبق على الشركات الخاصة مثل ClearView التي تحتوي بياناتها على مليارات الصور. فالهجمات الإلكترونية تحدث طوال الوقت، وغالباً ما لا يتم الإبلاغ عنها لسنوات.
تخيل مثلاً لو انتهى الأمر بقاعدة بيانات تحتوي على صورة كل مواطن، في يد دولة أجنبية معادية قادرة بدورها على استخدام هذه المعلومات لتحديد هوية الأشخاص وتتبعهم. فمع القوة الكبيرة تأتي مسؤولية كبيرة، لذلك نأمل أن يتم تخزين قواعد البيانات هذه وتنظيمها بأمان حتى يتم استخدامها لمساعدة الناس فقط، وليس العكس.