في هذا الفصل، سننظر إلى الطرق التي تؤثر فيها تدابيرنا الأمنية، إن كانت قديمة أم جديدة، بشكلٍ إيجابي أو سلبي على النزاعات والتي قد تكون إما طرق تستخدم ضمن المجموعة وإما طرق خارجية.
في هذا السياق، نعني بمصطلح “نزاع” إما نزاعًا مسلحًا أو غير مسلح. والنزاع قد يتحول إلى عنف قد نتعرض له. ـكان جسديًا أو اقتصاديًا أو قائمًا على النوع الاجتماعي، أو مؤسساتي أو هيكلي أو نفسي أو غير ذلك. أحيانًا، تتأثر مجتمعات الناشطين بالنزاعات ضمن منظماتنا أو حركاتنا. أيضًا ونادرًا ما نتمكن من التهرّب من ديناميكيات الامتياز. من شأن العمل ضمن سياق نزاع (أو ربما نزاعات متعددة)، أن نشاطاتنا وسلوكياتنا قد تؤدي إلى توليد أو اشتداد الانقسامات، أو الصلات بين الأشخاص وبدورها تؤدي إما للتخفيف من حدة النزاع وإما إلى استشرائه.
كناشطين علينا أن نسعى إلى زيادة الأثر الإيجابي لنشاطاتنا، والتخفيف من آثارها السلبية الممكنة. ويمكن أن تكون مقاربة عدم إلحاق الضرر مفيدة لتحقيق ذلك.
تفترض هذه المقاربة أن كل نشاطاتنا وسلوكياتنا تؤدي إلى تداعيات إما سلبية وإما إيجابية.
النشاطات + السلوكيات = تداعيات
من بعد أخذ ذلك بعين الاعتبار، في هذا القسم سننظر إلى بعض الطرق التي قد يكون لنشاطاتنا وسلوكياتنا آثارها الإيجابية أو السلبية على هذه النزاعات، لاسيما على مستوى المنظمة أثناء إدخالنا التغييرات على ممارستنا الأمنية.
النشاطات والموارد
نشاطاتنا هي أي أمر نقوم به أو ندخله إلى أي وضع موجود، بما في ذلك الموارد التي نحصل عليها ونستخدمها وننقلها. غالبًا ما تعتبر الموارد المستخدمة لحاجات الأمن والرفاه قيمة، وإمكانية الوصول إليها محدودة. وحين تسعون لتوسيع نطاق النشاطات والموارد ضمن مجموعتكم أو منظمتكم، فكروا في الأثر المحتمل لهذه التغييرات فهي ليست دائمًا إيجابية.
في ما يلي، سنستكشف كيف تنشأ بعض الآثار السلبية وكيف يمكنكم مواجهتها.
المنافسة مقابل إشراك الجميع – قد يزيد توفير الموارد إلى أشخاص معيّنين حصرًا من العلاقات المتوترة أو يؤدي إلى نشوء توترات جديدة. وإذا شملنا الجميع في استخدام ومشاركة الموارد يمكننا بناء علاقات تواصل مع الناس. في حال كانت مشاركة الموارد غير ممكنة، تحدثوا مع المجموعة عن سبب ذلك واسعوا لإقناع أفرادها.
الاستبدال مقابل التقدير – قد يعني إدخال ممارسات جديدة أو استخدام موارد جديدة أن الممارسات أو التقاليد أو حتى أدوار الأشخاص ستستبدل. لا يجب أن تستبدل الإستراتيجيات والموارد الحالية إلا حين يكون ذلك مبررًا وبطريقة تحترم فيها الجهود المبذولة لتنفيذها.
الاختيارات وعلاقات القوة – إشراك المجموعة أو المنظمة كلها في النقاشات حول من يحصل على التدريبات أو أي منافع أخرى قد يحسّن من تقبّل التدابير الأمنية ويعزز الشعور بالإنتماء والوحدة في كل الفريق.
مستوى المعيشة والعمل – في حال خصصت موارد الأمن والحماية للموظفين المتمتعين بمستوى معيشة أو عمل أفضل أصلاً، قد يساهم ذلك في زيادة حدّة الانقسامات في المجموعة. فكروا بشكلٍ نقدي بالأسئلة التالية: من يحصل على التدريبات؟ من يتلقى بدل مادي ولأي نشاطات؟ من المستفيد الأكبر من الأمن؟ من يحصل على أي نوع من الإمكانية للوصول الأفضل إلى وسائل التواصل والبنى التحتية الأخرى بسبب عيشه في مدينة (وليس في الريف)؟ كيف يمكن التعويض عن هذه الفوارق؟
السلوكيات والرسائل الأخلاقية الضمنية
أثناء قيامنا ببناء قدراتنا، علينا التفكير في كيفية تغيّر سلوكياتنا وكيفية تأثير ذلك على الآخرين. فسلوكياتنا تعبّر عن رسائل ضمنية وغير لفظية لكل الجهات الفاعلة العاملة في مجالنا، بما في ذلك حلفائنا وخصومنا. قد يؤدي تفسير هذه الرسائل، تمامًا كنشاطاتنا، إلى المزيد من بناء الصلات أو ارتفاع حدّة الانقسامات ضمن المجموعة.
في ما يلي، سنستعرض أربع حالات شائعة قد يحصل ذلك فيها.
1. الخصائص الثقافية
في البيئات المتعددة ثقافيًا، غالبًا ما تختلف تداعيات مفاهيم كالخصوصية، أو طرق معينة في اتخاذ القرارات إلى حدٍ كبير. يجب أن تكونوا واعين للحساسيات الموجودة من حولكم، وتأكدوا من أن التدابير الأمنية الجديدة التي تدخلونها تفسّر بطريقة لا تتسبب بأي إهانة أو انقسام.
2. قيم مختلفة لطرق عيش مختلفة
في حال لم يتم إشراك مجموعات معيّنة أو أعضاء معيّنين في الخطة الأمنية الخاصة بمنظمتهم، قد يفسرون ذلك بأن المنظمة لا تكترث كثيرًا لأمنهم. غالبًا ما نلحظ ذلك في السياسات المختلفة التي تفرضها منظمات دولية على موظفيها الدوليين وليس على الموظفين المحليين. يتيح اعتماد مقاربة إشراكية تحقيق المزيد من التماسك ورفع مستوى الإحساس بالمسؤولية تجاه التدابير الأمنية ضمن فرق العمل، بالإضافة إلى تحسّن مستوى الأمن للجميع.
3. الخوف والتوتر وانعدام الثقة
لا يعني اعتماد تدابير أمنية جديدة أن الثقة معدومة أصلاً، ولكن قد تفسّر كذلك، لذا لا بد من توضيح أسباب اعتمادها وتفسير المنطق الذي وضعت على أساسه. استمعوا إلى ملاحظات وتعليقات فريق العمل بشأنها واسعوا للمحافظة على الثقة في الاتجاهين.
4. استخدام الموارد
يجب التعامل مع الموارد الجديدة وتوزيعها بعناية ومسؤولية، إن كانت أجهزة (حواسيب محمولة جديدة مثلاً)، أم موارد معرفية (تدريبات مثلاً)، أم دعم نفسي أو أي أمر آخر تمامًا. قد يؤدي توزيع الموارد واستخدامها إلى خلافات في حال لم يفسر ذلك بعناية ولم يوضح أن هذه الموارد لم تقدم لفائدة متلقيها الشخصية.
لكي تحللوا سلوكياتكم والرسائل الموجودة في ممارساتكم الأمنية، قد يكون من المفيد وضع جدول شبيه بالجدول المتوفر على الرابط الموجود هنا، والتفكير في الأمثلة المقدمة قبل قيامكم بملء الجدول بأنفسكم. وإذا فكرنا جيدًا في هذه الأسئلة مسبقًا، سيزيد ذلك من فرص تقبّل جميع زملائنا ونظرائنا لأي استراتيجية أمنية جديدة من دون أن ينتج عن ذلك أي توتر أو نزاع.