كوننا مدافعين عن حقوق الإنسان، تحليلنا للتطورات التي يشهدها مجتمعنا أو حتى تلك الحاصلة على الساحة الدولية، تساعدنا في أغلب الأحيان على تحديد مشاكل متعلقة بحقوق الإنسان. علينا عندها التفكير في تحديد رؤيتنا للتغيير الذي نرغب في تحقيقه.

بالنسبة للكثير من المدافعين عن حقوق الإنسان، هذه الرؤية واضحة أصلاً ولكننا أحيانًا لا نمهل أنفسنا الوقت لبلورة وتحديد رؤيتنا أو أهدافنا. إداركنا لأهمية هذه العملية مفيد عند وضع إستراتيجية توجه القرارات التي نتخذها بشأن أمننا: واستنادًا إلى رؤيتنا وأهدافنا وكيفية عملنا على تحقيقها، نحدد الجهات الأخرى في مجتمعنا التي قد تساعد أو تعيق عملنا، وبالتالي تؤثر على وضعنا الأمني.

تزداد أهمية التفكير بشكلٍ نقدي في إستراتيجيتنا حين نعمل ضمن مجموعات. فالتحلّي بالشفافية والصراحة حيال التغييرات التي نرغب في تحقيقها وكيفية تفادي ومنع الصعوبات والنزاعات التي قد تنشأ بين أعضاء المجموعة أو المجتمع المحلي أو المجتمع ككل، ضرورية.

وضع رؤيتنا ونشاطاتنا

من أجل وضع أو تجديد رؤيتكم للتغيير، عليكم طرح الأسئلة التالية على أنفسكم؟

·      ما هي المشكلة أو المشاكل التي تأملون معالجتها؟

·      ما هو التغيير الذي ترغبون في إحداثه؟

·      ما التغيير الذي سيطرأ على مجتمعنا المحلي بعدها؟

·      ما الاختلاف الذي سيطرأ على العلاقات بين الناس في حال نجاحكم؟

·      من هم الأشخاص والمجموعات والمؤسسات الأخرى الذين سيتم إشراكهم في هذه القضية وماذا ستكون ردود فعلهم تجاه نشاطاتكم؟

وضع خارطة النشاطات والجهات الفاعلة

بعد أن تتكون لدينا رؤية واضحة بشأن ما نريد تحقيقه، يمكننا التفكير في كيفيةتحقيقه. ما هي الطرق والنشاطات التي يتوجب علينا تنفيذها لتحقيق أهدافنا؟ وأي منها نقوم بها أصلاً؟ وما الخطوات الأخرى التي يمكننا القيام بها؟ ما هي النشاطات التي قد لا تكون فعّالة بالقدر الذي كنا نعتقده؟ إن كان ذلك ضروريًا، خصصوا بعضًا من الوقت للتفكير بشكلٍ نقديّ في هذه الأسئلة ضمن مجموعة.

تحدد النشاطات التي نقوم بها، بالإضافة إلى سلوكنا أثناء تأديتها، كيف ينظر إلينا كل من الدولة والمجتمع والآخرين من حولنا. إذ يحدد تعاملنامع تلك الجهات مدى تجاوبها معنا ويؤثر على مدى تقبلها وقبولها أو رفضها لعملنا وعلى مدى محاولتها إغلاق المساحة التي نعمل فيها.

لذلك، لا بد من تكوين صورة واضحة عن كل الجهات الفاعلة في بيئتنا (الأفراد والمؤسسات والمنظمات ألخ). في معظم الأحيان، تتأتى التهديدات عن شخص أو شيء.  معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الجهات الفاعلة الموجودة في بيئتنا تحسّن من دقة نظرتنا لبيئتنا، وبالتالي يحسّن ذلك من قدرتنا على تنفيذ النشاطات للمحافظة على مساحة عملنا أو توسيع نطاقها.

يمكن اعتبار بعض تلك الجهات جهات صديقة أو حليفة، وبعضها الآخر خصوم وبعضٌ آخر منها سيكون محايدًا وعلى مسافة واحدة من الجميع. وسيكون لكل جهة من هذه الجهات مصالحها ومواردها الخاصة التي قد تساعد أو تعيق عملنا.

تصبح خطتكم الأمنية أكثر متانة إذا كنتم تفهمون من هي تلك الجهات وكيف تؤثر أعمالها عليكم. حاولوا القيام بهذا التمرين من أجل وضع خارطة بالجهات الفاعلة في مجالكم، وتحديد طبيعة العلاقة التي تربطكم بها.

معرفة المزيد عن الجهات الفاعلة

يمكننا توزيع الجهات الفاعلة إلى ثلاث فئات تقريبًا:

الحلفاء: الحلفاء هم الجهات التي يتوافق عملها إستراتيجيًا مع أهدافنا، على الرغم من أن قوة واستمرارية دعمها قد تتغيّر مع الوقت.

الخصوم: الخصوم هم الجهات التي تتعارض مصالحها الإستراتيجية مع مصالحنا أو تلك التي تعارض أهدافنا لأسباب متنوعة. لا تنسوا أن حدة المعارضة أو عدم المشاركة قد تتغيّر وفقًا للظروف.

الجهات المحايدة: الجهات المحايدة هي لا تدعم ولا تعارض قضيتنا. ولكن دورها قد يتغيّر وفقًا لتبدّل الوضع.

قد يكون من المفيد وضع تصوّر أو اعتبار تلك الجهات مروحة متكاملة:

غالبًا ما تستخدم مروحة الحلفاء[1] هذه في عمليات تصميم حملات العمل لتحديد الجهات التي نريد التأثير عليها. يمكننا أيضًا استخدام هذه المروحة عن القيام بالتخطيط الأمني والترويج لتقبّل عملنا لدى مكونات مختلفة من الدولة والمجتمع – أي من خلال أنواع مختلفة من المناصرة والإشراك.

لتحديد الأولويات، قد يتوجب عليكم في البداية التركيز على الحلفاء والخصوم الفاعلين في محيطكم، والتعمّق قليلاً في عملية البحث عن حوافزهم ومواردهم. هذه الخطوة مفيدة عند قيامكم بتحليل التهديدات المحتملة (أو الفعلية) وتحديد من وراءها من جهات إما عن قصد أو غير قصد. وعند قيامكم بوضع خارطة بالعلاقات بين الجهات الموجودة من حولكم، قد تتمكنون من تحديد مداخل يمكنكم استخدامها لتحسين علاقتكم بخصومكم (مثلاً من خلال اتصالات متبادلة).

وضع خارطة بالعلاقات بين الجهات الفاعلة

الخطوة التالية هي تحليل ومعرفة وتحديد طبيعة العلاقات بين الجهات الفاعلة. وهذا أمر مفيد بشكلٍ خاص عند تحديد الجهات التي قد تدفعها حوافزها إلى تهديدنا أو تهديد عملنا، بالإضافة إلى الحلفاء الذين يمكن الاعتماد عليهم لمساعدتنا في حماية عملنا بشكلٍ أفضل.

تخزين خرائط الجهات الفاعلة حيث يمكننا الاطلاع عليها وتحديثها بشكلٍ دوريّ فكرة جيّدة. مع أنكم قادرون في البداية على القيام بذلك بصريًا، يمكنكم لاحقًا إنشاء مستند رقمي، على جدول رقمي مثلاً حيث يمكنكم تحديث أوّلاً بأوّل جداول المعلومات الخاصة بالجهات الرئيسية المذكورة في خارطتكم. سيكون ذلك مفيدًا عند التفكير في الإستراتيجية الأمنية الخاصة بكم وفي التهديدات الجديدة عند ظهورها. التوجيهات بشأن التفاصيل التي قد يكون إدراجها مفيدًا واردة في نهاية التمرين الثاني.

بعد تمكننا من التعرّف بشكلٍ أفضل على بيئتنا الاجتماعية والسياسية، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مكانة بياناتنا ومعلوماتنا بالنسبة لعملنا وأمننا.

 


[1] استنادًا إلى تمرين مروحة الحلفاءعلى موقع نيو تاكتيكس فور هيومن رايتس (تكتيكات جديدة لحقوق الإنسان) https://www.newtactics.org