تعريف وتحديد مقاربة أمنية شاملة، مهمّة مختلفة تمامًا عن الاكتفاء بكل بساطة بمقاربة عند الطلب أو مرتجلة لأمننا. تحمينا بعض ردود فعلنا الغرائزية أو بعض البروتوكولات الأمنية الآنيّة من التهديدات المحدقة بنا، ولكن بعضها الآخر لا يوفر لنا الحماية لا بل قد يتسبب بأذيتنا.
سبق لنا أن بدأنا بعملية تحديث إستراتيجيتنا الأمنية عبر إدخال تكتيكات وقدرات جديدة قمنا بتحديدها في الفصل السابق. يجب أن ترتبط كلها بإستراتيجية عامة للمحافظة على مساحة عملناالاجتماعية السياسية وتوسيع نطاقها كمدافعين عن حقوق الإنسان؛ تم التوسّع بهذا المفهوم أدناه.


الإستراتيجيات الأمنية: المحافظة على مساحة عملنا


يجب أن تتوافق الإستراتيجيات والخطط الأمنية الفعالة مع السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي والقانوني والبيئي الخاص الذي نعمل فيه. كما سبق وذكرنا في القسم الثاني – الإستكشاف، تنتج التهديدات السياسية من جهات فاعلة أخرى قد تتأثر مصالحها بعملنا، ولذلك تنوي تلك الجهات التضييق على مساحة عملنا الاجتماعية والسياسية. ومن شأن وضع إستراتيجية أمنية مساعدتنا في تحديد التكتيكات اللازمة للتعامل مع خصومنا، من أجل المحافظة على هذه المساحة أو توسيع نطاقها. لذا من المفيد التفكير بثلاث فئات عامة من الإستراتيجيات الأمنية:


إستراتيجيات التقبّل القائمة على إشراك الجهات الفاعلة الأخرى (الحلفاء والجهات المحايدة والخصوم) لتعزيز ثقافة التسامح والتقبّل، من أجل الحصول في النهاية على دعم المجتمع لنشاطات حقوق الإنسان التي نقوم بها. وغالبًا ما ينفذ ذلك من خلال المناصرة وتنظيم الحملات والديبلوماسية والنشاطات التربوية.


إستراتيجيات الحماية القائمة على تعلّم أو تطبيق طرق وممارسات جديدة تركّز على حماية مساحة عملنا. قد يعني ذلك أيضًا الاستفادة من نقاط قوة حلفائنا للحصول على الحماية وسدّ الثغرات في ممارساتنا الأمنية الحالية.
إستراتيجيات الردع القائمة على رفع كلفة تنفيذ هجمات ضدنا أو ضد عملنا على خصومنا، إن كانت هذه الكلفة مالية أو مرتبطة بالسمعة أو غير ذلك. تعتمد هذه الإستراتيجيات أيضًا بشكلٍ كبير على المناصرة وتنظيم الحملات والديبلوماسية والنشاطات التربوية، وتستوجب منا وضع خارطة مفصّلة بالجهات الفاعلة من أجل معرفة الحلفاء القادرين على المساعدة في رفع كلفة الهجمات ضدنا.
سيشمل عدد كبير من الإستراتيجيات والخطط الأمنية نشاطات تندرج ضمن فئتين من هذه الفئات الثلاث أو ضمنها كلها: يعتمد ذلك طبعًا على السياق والتهديدات المحددة. حاولوا القيام بالتمرين التالي لتحديد القدرات المناسبة التي ترغبون في بناءها.


بناء القدرات والموارد الخارجية


بعد أن ننتهي من تحديد طرق معالجة الثغرات ونقاط الضعف في أمننا وفقًا لإستراتيجياتنا الشاملة كما ذكرنا أعلاه، سيتوجب علينا على الأرجح القيام بنوع من أنواع بناء القدرات. قد يعني ذلك تعلّم مهارة جديدة أو الشروع في عملية تحوّل طويلة الأمد في كيفية تأديتنا لعملنا. فكروا في العوامل التالية التي تساهم في تعزيز تغيير السلوك:
الرفاه أي التمتع بالقدرة الجسدية والذهنية للغوص في عملية التعلّم بشكلٍ فعال، وفي الوقت عينه التمتع بالوقت الكافي والتواجد في مكان آمن للقيام بذلك.
السلوكيات إلى أي درجة نعتبر عملية التعلّم هذه قيّمة ومفيدة ومنطقية؟ لا تنسوا أن السلوكيات عامل ذاتي وقد يتأثر سلبًا بالتعرّض للإجهاد والخوف والصدمات.
المعرفة والفهم الجيّد لسياقنا السياسي والإقتصادي والاجتماعي والتنكولوجي والقانوني والبيئي، يوفران لنا أساسًا متينًا نستطيع أن نبني عليه قدرات جديدة.
المهارات ضرورية فهي تمكننا من التعامل والتأثير في بيئتنا. وقد تشمل هذه المهارات، اللياقة البدنية والرعاية الذاتية، ومهارات المناصرة السياسية والمهارات التقنية كاستخدام التواصل المشفّر وغير ذلك.
الموارد تؤثر إلى حدٍ كبير بمدى قدرتنا على تحسين العناصر المذكورة أعلاه. فكروا في الموارد المتوفرة لديكم ولدى زملائكم، وفي كيفية الوصول إلى موارد أخرى لبناء القدرات عند الاقتضاء.


التدريبات الخارجية والاستشاريين الخارجيين


في أغلب الأحيان، تعتبر الاستعانة بتدريبات خارجية واستشاريين خارجيين مفيدة جدًا في مساعدة المنظمات والشبكات في وضع خطط وتنمية مهارات أمنية. قد يكون ذلك مكلفًا ولكن الأمر يستحق أن يتم تخصيص ميزانية له في حال لم يتوفر لديكم شخص قادر على توفير المهارات أو التدريبات ذاتها.


سيمكنكم أفضل الإستشاريين من التعامل مع وضعكم الأمني، عوضًا عن تقديم حلول سريعة لكم. استعينوا بهم للحصول على تدريبات بشأن الأدوات والتكتيكات التي تعتبرونها مفيدة لنشاطاتكم ولسدّ الثغرات الموجودة في إستراتيجيتكم الأمنية الحالية.
يجب ألّا يجري الاستشاريون الخارجيون أي عملية تحليل لممارسات منظمتكم الأمنية من دون إشراك أعضاء من مجموعتكم، و يجب ألّا يجروا أي تغييرات أو يتخذوا أي قرارات بالنيابة عنكم.


اختيار التدريبات أو المدربين


يعدّ الأصدقاء والزملاء المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الدولية الموثوق بها، مصدرًا جيّدًا للنصائح بشأن اختيار المدربين أو التدريبات الخاصة بالأمن. حاولوا أن تحصلوا على فكرة واضحة بشأن ما يُتوقع أن تتعلموه مع المحافظة على احترام رأي المدرب لناحية ما يمكن تحقيقه خلال الفترة الزمنية المتوفرة. فكروا في نوع الخبرة أو المعرفة التي يجب أن يتمتعوا بها قبل أن تتخذوا القرار بالعمل معهم. خذوا بعين الاعتبار عوامل كاللغة والتوقيت والمكان وإمكانيات المتابعة؛ هل سيتوفر لديكم بعدها الوقت الكافي للتمرّن أو لاستخدام المهارات أو المعرفة أو الموارد الجديدة؟ ناقشوا هذه المسائل ضمن المجموعة للتوصل إلى حلّ يناسب الجميع. في حال أبدى بعض الأعضاء عدم الاهتمام فذلك سيؤثر سلبًا على التدريب وسيقلّص من الفوائد المحتملة لاحقًا.


الموارد المالية اللازمة للأمن


قد يتأتى عن بناء قدراتنا الأمنية وتحسينها تداعيات مالية في أغلب الأحيان، وهذا ما قد يؤدي إلى صعوبات مالية إضافية. سلامتكم ليست مجانية فستضطرون مثلاً إما لتكبد كلفة شراء أجهزة حاسوب جديدة أو لاستبدال الأجهزة المكشوفة وإما لتغطية كلفة تدريبٍ ما. للاطلاع على معلومات إضافية بشأن المنظمات التي تقدّم دعمًا ماليًا للمدافعين عن حقوق الإنسان المتعرضين لمخاوف أمنية، راجعوا صفحة الموارد الخاصة بنا.