ارتفعت حدّة الصراع التكنولوجي مؤخراً بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، خصوصاً لجهة تكنولوجيا الاتصالات من الجيل الخامس وأمن المعلومات والبيانات. فالحكومة الأميركية لا تثق بالأجهزة المصنّعة في الصين مثل هواوي، ولا بالتطبيقات التي تنشأ منها مثل تيك توك، خوفاً من المراقبة والتتبع والتنصت.

إذ تشعر الإدارة الأميركية بقلق بالغ من إمكانية قيام شركة “بايت دانس” بإعطاء سجل التصفح أو بيانات أخرى متعلقة بالمستخدمين الأميركيين للحكومة الصينية، أو الترويج لدعاية ومعلومات مضللة من تطبيق “تيك توك” الذي يبدو أنه بات واحد من أسباب النزاعات بين الصين وحكومات أخرى في مجالي التكنولوجيا والأمن الالكتروني.

وبحسب مقال ورد في جريدة الشرق الأوسط، اعتبرت الكاتبة السعودية مها محمد الشريف أنه لا يمكن أن نحكم بين طموحات البشر ومقتضيات الحقيقة، فوسائل التواصل أصبحت لها مخططات واستراتيجية ومواقف تدين وتجرم تكنولوجيا الاتصال كثقافة رقمية، وفي إشارة إلى ما قد يعتري الممارسة من انحراف عن الأهداف والقيم التي انطلقت منها، تكون أسباب القبول أو الانخراط كالدفاع عن العدل هي نفسها أسباب الرفض عندما تحيد الممارسة عن هذه القيمة، وفي النهاية الآيديولوجيا هي التي تقدم التبرير اللازم.

فخلال السنوات القليلة الماضية، أحدث تطبيق تيك توك رهجة كبيرة في عرض الفيديوهات القصيرة والسماح للمستخدمين بالحصول على مبالغ مالية، ليصبح اليوم من أوائل التطبيقات المستخدمة في مختلف بلدان العالم، إذ وصل إلى نحو مليار مستخدم خلال 5 سنوات من انطلاقه. لكن هذا النجاح بات مهدداً بالحظر من العديد من الحكومات، على الرغم من أن تيك توك يعد مركزاً حيوياً في قلب الثقافة الشبابية، فهو وجهة محبوبة لنحو مليار مستخدم حول العالم.

وتسأل الكاتبة: هل سبب قلق الإدارة الأميركية المواجهة الجيوسياسية من صعود الصين كقوة دولية؟ أم هو تشكيك في الثقة بها من طرف دول غربية تتعمد ألا تعكس تصوراً للواقع، وتسير مع حليفتهم الكبرى لترسم حدوداً صارمة قامعة هدفها حظر تطبيق يستخدمه عشرات الملايين، وهذه الهزة ستخلق ظروفاً مواتية وتحولاً عميقاً لفقدان المصداقية في تكنولوجيا الصين، وأن لها علاقة بالتحولات الطارئة على المجتمعات الحديثة.

ذلك ما حتم البحث عنه على مدى أشهر من عدة جهات ومؤسسات حكومية، حول المنصة التي تشارك مقاطع الفيديو، والتي تتخذ من الصين مقراً لها، فهل هي آمنة رغم قرارات الحظر التي فرضها المسؤولون الحكوميون في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا والعديد من الدول الأوروبية في هواتف الموظفين، ولماذا تشعر هذه الحكومات بالقلق بشأن سلامة بيانات مستخدمي المنصة؟

وعلى الرغم من التباين القائم بين ممثلي هذه النزعة وصعوبة توحيد رؤاهم المتفاوتة وقراراتهم المتباينة، هم يجتمعون حول جملة من الثوابت النظرية المشتركة تظهر وحدة تفكيرهم ضد تكنولوجيا الصين. في المقابل، تتهم الصين الولايات المتحدة بالمبالغة في مخاوف الأمن السيبراني بغية تقويض الشركات التكنولوجية سريعة النمو. لكن الزخم ينمو إما لبيع قسري في الولايات المتحدة وإما لحظر صريح بسبب مزاعم بإمكانية استخدام الشبكة الاجتماعية كأداة تجسس.

من جهته، مثل الرئيس التنفيذي لشركة تيك توك أمام جلسة الاستماع الأولى في الكونغرس في الولايات المتحدة وسط دعوات متزايدة لحظر التطبيق على مستوى البلاد، إذ يشعر البعض بأنه مصدر قلق بالنسبة للأمن القومي، وأكدت ذلك بريطانيا مع العديد من الدول بحظر استخدام التطبيق الصيني على الهواتف الحكومية لأسباب أمنية.

ولعل ذلك يفسر الصراع المحتدم بين الولايات المتحدة الأميركية والصين حول تكنولوجيا الاتصالات من الجيل الخامس ليس فقط تكنولوجياً أو تجارياً أو أمنياً، بل الثلاثة في آن معاً. فالصراع بدأ منذ عام 2019 حين فرضت أميركا عقوبات على شركة هواوي، علماً بأن الصين أصبحت المورّد الرئيسي لتكنولوجيا الجيل الخامس، وكل المواد اللوجيستية المتعلقة بهذه التكنولوجيا، فهذه الشركة التي ما برحت واشنطن تضغط على حلفائها من أجل إقصائها حول إنجاز مشروعات شبكة اتصالات الجيل الخامس، وتتهم المجموعة بالتجسس لحساب بكين.

يبدو أن المواجهة بين الصين وأميركا قد انتقلت إلى التضييق على التطبيقات وهي تندرج تحت الحرب التكنولوجية بينهما، ولعل تطبيق تيك توك الذي تفوّق على التطبيقات الأميركية التي سبقته أبرز مثال على تلك المواجهة. لقد انتقل العالم إلى الاقتصاد الرقمي وباتت تستخدم الدول كل إمكاناتها لزيادة دورها عالمياً في هذا المجال. فمن سيتفوق رقمياً وتقنياً سيكون له السبق بالريادة الدولية، وهذا ما تسعى له الصين التي تريد أن تستقل تكنولوجياً من خلال خطة مستقبلية تنتهي مراحل تنفيذها عام 2035.