مضى عام ونصف على قمع “الربيع العربي” في البحرين، حينما فرضت الأحكام العرفية وحظر التجول الذي دام ثلاثة أشهر. وبعد أن رفعت الأحكام العرفية وسُمِح للناس بالتنقل ساعة يشاؤون، كان عليهم أن يعتادوا مشهد الحواجز الإسمنتية التي وضعتها وزارة الداخلية في العديد من الطرق كحواجز لنقاط تفتيش ثابتة، تستهدف النشطاء وغيرهم من الشباب الذين يشتبه بضلوعهم في أعمال سياسية. غير أن صِغر مساحة البحرين واتصال مناطقها بالكثير من الشوارع الداخلية أسهما في أن يجد الناس شوارع خلفية بعيدة عن مواقع نقاط التفتيش، تقيهم شر الإهانات واحتمال الإعتقال.
ولكن كما يقال، “دوام الحال من المحال.” فبعد أن تعاقدت الدولة مع الضابط البريطاني سيّء الصيت جون يات مستشاراً لتطوير قوى الأمن في البحرين، إختفت هذه الحواجز لتحل عوضاً عنها نقاط تفتيش متحركة، تنتشر بعشوائية يصعب التنبؤ بها. كما أن عمليات التفتيش هذه لم تعد تقتصر على القوّة الأمنية التي تبحث عن مطلوبين وحسب، بل اشتملت على شرطة المرور، ليُبعَث كل مَنْ لَمْ يثبت جرمه عند ضابط الأمن إلى ضابط السير، الذي سوف يبحث عن أي سبب يخوله تقييد مخالفة بحقه، وهو يعد أسلوباً جديداً من أساليب العقاب الجماعي.
الإنذار عبر تويتر
جرّاء هذا الوضع، صار عموم الناس، نشطاء وغير نشطاء ممن لا يرغبون في التأخير أو دفع مبالغ إضافية لإدارة المرور، بحاجة إلى وسيلة سريعة لنقل المعلومات، يستطيع من خلالها الجميع، وخاصةً من هم في الطرق، المساهمة في بث هذه المعلومات والوصول إليها على حد سواء. تطابقت هذه التوصيفات مع الوظائف التي يؤديها موقع التواصل الإجتماعي تويتر، المعروف بفضله في تصعيد وتيرة العديد من الأنشطة المدنية والإحتجاجات، من الثورة الخضراء في إيران عام 2009، وصولاً إلى ثورات الربيع العربي.
وبالفعل، سرعان ما أخذ العديد من مستخدمي تويتر زمام المبادرة بنشر أخبار مقتضبة عن نقاط التفتيش، تتضمن موقعها ومدى شراستها، أو أخبار تفيد بإزالة هذه النقطة أو تلك أو حتى تقترح طرقاً بديلة آمنة. ويلتزم هؤلاء بنشر تغريداتهم المتعلقة بهذا الخصوص عبر الوسم chpo# وهو اختصار للكلمة الإنجليزية checkpoint. بالمقابل، يقوم كل من يريد التأكد من أمان الطريق إلى جهة ما بالبحث في التغريدات.
بيد أن نجاح هذه المبادرة يتطلب الإلتزام بالكثير من السلوكيات المعنية بالإعلام المجتمعي وصحافة المواطن؛ فعلى سبيل المثال، يُلزم المغرد باستخدام عبارات دقيقة وصحيحة، لا تضيف على ما يحصل على الأرض ولا تنقص منه. ثم على باقي الأشخاص إعادة نشر التغريدة ذاتها لتكون واضحة في نتائج البحث عوضاً عن نسخها وإعادة تغريدها من حسابهم الخاص، مما يؤدي إلى حشو الوسم بتغريدات متكررة لا طائل منها. ويظهر البحرينيون التزاماً معقولاً بأدبيات التواصل الإجتماعي، رغم أن الوسم يشهد في أحيانٍ معدودة “سخام” تغريدات لا علاقة لها بالموضوع، لمن يبحثون عن الشهرة بأية طريقة.
تجربة واحدة تكفي
يقول الشاب ع.س. إنّ متابعة التغريدات المتعلقة بنقاط التفتيش أصبحت أمراً روتينياً بالنسبة إليه مؤخراً، بعد تجربة غير سارة مع احدى نقاط التفتيش.
“تفاجأت بنقطة تفتيش في موقع بالقرب من حي سكني هادئ، وفي وقت لم تكن فيه أي فعاليات سياسية،” يقول ع.س. “وبعد عشرين دقيقة من الإنتظار، قيدت بحقي مخالفة عدم ربط حزام الأمان وأمرت أن أعود أدراجي، فلم أتمكن من قضاء الحاجة التي خرجت من أجلها.”
وأفادع.س. أن هاتفه الذكي منذ تلك اللحظة صار يسدي إليه خدمات جليلة في مثل هذه المواقف.
“بعض الأحيان لا أقوم بقراءة تلك التغريدات قبل الخروج من المنزل، وإن قرأتها فإن مواقع هذه النقاط تتغير بين لحظة وأخرى. لذلك حين ألاحظ أن الحركة غير طبيعية في إحدى الطرق، أقوم بركن السيارة جانباً، وأقرأ آخر التغريدات على الوسم الخاص بنقاط التفتيش بواسطة هاتفي الذكي. فإذا تأكد لي وجود نقطة تفتيش في المنطقة أقوم بتغيير وجهتي فوراً.”
ليست آمنة تماماً…
يجدر القول إن هذه المهمة لها متاعبها وليست سهلة كما قد تبدو. أحد أهم الشواهد على خطورة استخدام الهاتف المحمول بالقرب من نقاط التفتيش هو ما حصل لمسؤول الرصد بمركز البحرين لحقوق الانسان السيد يوسف المحافظة؛ لُكِم على وجهه وجُرَ معتقلاً من رأسه امام ابنتيه، بعد أن طارده عناصر احدى نقاط التفتيش جراء التقاطه صورة للموقع من أجل نشرها في حسابه عبر تويتر، وفق ما أفاد مغردون.
لإلقاء نظرة عن كثب، أجرى فريق سايبر آرابز لقاءً مقتضباً مع أحد النشطاء الإلكترونيين في البحرين الذين يقومون بنشر مواقع نقاط التفتيش عبر تويتر بصورة مستمرة. وقد طلب عدم الإفصاح عن هويته حفاظاً على سلامته الشخصية:
1- ما الذي يدفعك إلى المساهمة في التغريد عن نقاط التفتيش؟
التغريد بشأن مواقع نقاط التفتيش ليس قراراً على المرء أن يتخذه، بقدر ما هو واجب وطني وضرورة لحماية النشطاء المطلوبين من قبل الأجهزة الأمنية، فضلاً عن تجنيب المواطنين الاستفزازات والمخالفات المرورية.
2- برأيك، كيف من الممكن جعل شبكات التواصل الاجتماعي أكثر فعالية في حماية مستخدمي الطرق من شر نقاط التفتيش؟
من المفترض أن يكون هناك حساب خاص على شبكة التويتر مختص بالتغريد عن مواقع نقاط التفتيش، بحيث يرسل المغردون المعلومات إلى الحساب ويقوم هو بإعادة نشرها بطريقة منظمة.
3- هل تعتقد أن شبكة تويتر هي الوسيلة الفضلى، أم ترى أنه من المفروض استخدام أداة أخرى لهذا الغرض؟
تويتر وسيلة فعالة جداً في تحديد المواقع ونشرها، ومؤخراً تمت برمجة خريطة البحرين على غوغل ماب من قبل نشطاء مبرمجين. تحدد هذه الخريطة مواقع نقاط التفتيش معتمدة على التغريدات في تويتر.
4- هل من أخطاء يرتكبها المشاركون في التغريد عن نقاط التفتيش؟
هذه الأمور لا تعتبر أخطاء بالنسبة إلي، فلو افترضنا أن أحدهم قام بنشر تغريدة لم يتأكد من صحتها عن نقطة تفتيش في أحد الشوارع، فسيتجنب الناس المرور في هذا الشارع وحتى لو لم تكن هناك نقطة للتفتيش، سيكون ذلك من باب زيادة الحذر.
5- ما هو الأسلوب الذي تتبعه لمعرفة مواقع نقاط التفتيش والتبليغ عنها؟
وسم chpo# بشكل خاص، والشبكات الإخبارية للقرى وشبكة 14 فبراير، إضافة إلى الخريطة المبرمجة مؤخراً.